فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.في رياض آيات السورة الكريمة:

.فصل في أسرار ترتيب السورة:

قال السيوطي:
سورة الحج:
أقول: وجه اتصالها بسورة الأنبياء: أنه ختمها بوصف الساعة في قوله: {واقترب الوعد الحق فإِذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} وافتتح هذه بذلك، فقال: {إنَّ زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهلُ كُلُ مُرضِعَةٍ عما أرضعت وتضعُ كُلَ ذاتِ حملٍ حملها وترى الناسَ سُكارى وما هم بسكارى}. اهـ.

.تفسير الآيات (1- 2):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَا أرضعت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وما هم بِسُكَارَى وَلَكِن عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
{بسم الله} الذي اقتضت عظمته خضوع كل شيء {الرحمن} الذي عم برحمته وعدله كل موجود {الرحيم} الذي خص بفضله من شاء من ذوي عدله.
لما ختمت التي قبلها بالترهيب من الفزع الأكبر، وطيّ السماء وإتيان ما يوعدون، والدينونة بما يستحقون، وكان أعظم ذلك يوم الدين، افتتحت هذه بالأمر بالتقوى المنجية من هول ذلك اليوم فقال: {يا أيها الناس} أي الذين تقدم أول تلك أنه اقترب لهم حسابهم {اتقوا ربكم} أي احذروا عقاب المحسن إليكم بأنواع الإحسان بأن تجعلوا بينكم وبينه وقاية الطاعات.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما افتتحت سورة الأنبياء بقوله تعالى: {اقترب للناس حسابهم} وكان واردًا في معرض التهديد، وتكرر في مواضع منها كقوله تعالى: {إلينا ترجعون} [الأنبياء: 35] {سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد} [الأنبياء: 37] {لو يعلم الذين كفروا حين يكفون عن وجوههم النار} [الأنبياء: 39] {ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك} [الأنبياء: 46] {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} [الأنبياء: 47] {وهم من الساعة مشفقون} [الأنبياء: 49] {كل إلينا راجعون} [الأنبياء: 93] {واقترب وعد الحق} [الأنبياء: 97] {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء: 98] {يوم نطوي السماء كطي السجل للكتاب} [الأنبياء: 104] إلى ما تخلل هذه الآي من التهديد، وشديد الوعيد، حتى لا تكاد تجد أمثال هذه الآي في الوعيد والإنذار بما في الساعة وما بعدها وما بين يديها في نظائر هذه السورة، وقد ختمت من ذلك بمثل ما به ابتدئت، اتصل بذلك ما يناسبه من الإعلام بهول الساعة وعظيم أمرها، فقال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم}- إلى قوله: {ولَكِن عذاب الله شديد} ثم اتبع ببسط الدلالات على البعث الأخير وإقامة البرهان {يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث} الآيات، ثم قال: {ذلك بأن الله هو الحق} أي اطرد هذا الحكم العجيب ووضح من تقلبكم من حالة إلى حالة في الأرحام وبعد خروجكم إلى الدنيا وأنتم تعلمون ذلك من أنفسكم، وتشاهدون الأرض على صفة من الهمود والموت إلى حين نزول الماء فنحيي ونخرج أنواع النبات وضروب الثمرات {يسقى بماء واحد ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى} كما أحياكم أولًا وأخرجكم من العدم إلى الوجود وأحيا الأرض بعد موتها وهمودها، كذلك تأتي الساعة من غير ريب ولا شك، ويبعثكم لما وعدكم من حسابكم وجزائكم {فريق في الجنة وفريق في السعير} انتهى.
ولما أمرهم بالتقوى: علل ذلك مرهبًا لهم بقوله: {إن زلزلة الساعة} أي التي تقدم التحذير منها في الأنبياء بدأ وختمًا وما بين ذلك، أي شدة اضطرابها وتحركها العنيف المزيل للأشياء عن مقارها إزالة عظيمة، بما يحصل فيهما من الأصوات المختلفة، والحركات المزعجة المتصلة، من النفخ في الصور، وبعثرة القبور، وما يتسبب عن ذلك من عجائب المقدور، وقت القيام، واشتداد الزحام، وذلك لأن زلزل مضاعف زل- إذا زال عن مقره بسرعة، ضوعف لفظه لتضاعف معناه؛ قال البغوي: الزلزلة والزلزال: شدة الحركة على الحال الهائلة- انتهى.
وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل أو المفعول فيه {شيء عظيم} أي لا تحتمل العقول وصفه؛ قال ابن كثير: أي أمر كبير، وخطب جليل وطارق مفظع، وحادث هائل، وكائن عجيب- انتهى.
وهذا للزلزلة نفسها، فكيف بجميع ما يحدث في ذلك اليوم الذي لابد لكم من الحشر فيه إلى الله ليجازيكم على ما كان منكم، لا ينسى منه نقير ولا قطمير، ولا يخفى قليل ولا كثير، مما تطير له القلوب، ولا تثبت له النفوس، فاعتدوا وجاهدوا أعداءكم من الأهواء والشياطين.
ولما كان المراد بالساعة القيام وما والاهـ. جعل مظروفًا لذلك اليوم الذي هو من ذلك الوقت إلى افتراق الفريقين إلى داري الإبعاد والإسعاد، والهوان والغفران، فقال تعالى: {يوم ترونها} أي الزلزلة أو كل مرضعة، أضمرها قبل الذكر، تهويلًا للأمر وترويعًا للنفس {تذهل} أي تنسى وتغفل حائرة مدهوشة، وهو العامل في {يوم} ويجوز أن يكون عامله معنى الكلام، أي تستعظمون جدًّا ذلك اليوم عند المعاينة وإن كنتم الآن تكذبون، ويكون ما بعده استئنافًا ودل بالسور على عموم تأثيره لشدة عظمته فقال: {كل مرضعة} أي بالفعل {عما أرضعت} من ولدها وغيره، وهي من ماتت مع ابنها رضيعًا، قال البغوي: يقال: مرضع، بلا هاء- إذا أريد به الصفة مثل حائض وحامل، فإذا أرادوا الفعل أدخلوا الهاء- يعني: فيدل حينئذ أنها ملتبسة به {وتضع كل ذات حمل حملها} أي تسقطه قبل التمام رعبًا وفزعًا، وهي من ماتت حاملًا- والله أعلم، فإن كل أحد يقوم على ما مات عليه، قال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها بغير فطام، وتضع الحامل ما في بطنها بغير تمام- انتهى.
ويؤيد أن هذه الزلزلة تكون بعد البعث ما في الصحيحين وغيرهما: مسلم في الإيمان وهذا لفظه، والبخاري عند تفسير هذه الآية عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنهم- رفعه: «يقول الله عز وجل: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك! والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فذلك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها» الحديث والأحاديث في ذلك كثيرة، ومعارضها ضعيف، والمناسب أيضًا لما في آخر تلك من قوله: {فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} [الأنبياء: 97] وما تبعه أن هذه الزلزلة بعد القيام من القبور {يوم نطوي السماء} [الأنبياء: 104] {إذا السماء انفطرت} [الانفطار: 1] إلى قوله: {علمت نفس ما قدمت وأخرت} [الانفطار: 5] ويمكن أن يكون المراد هذا وما قبله لأن يوم الساعة طويل، فنسبة الكل إليها على حد سواء.
ولما كان الناس كلهم يرون الزلزلة، ولا يرى الإنسان السكر- إلا من غيره قال في الزلزلة {ترونها} وقال في {السكر}: {وترى الناس سكارى} أي لما هم فيه من الدهش والحيرة والبهت لما شاهدوا من حجاب العز وسلطان الجبروت وسرادق الكبرياء، ثم دل على أن ذلك ليس على حقيقته بقوله، نافيًّا لما يظن إثباته بالجملة الأولى: {وما هم بسكارى} أي من الخمر.
ولما نفى أن يكونوا سكارى من الخمر، أثبت ما أوجب لهم تلك الحالة فقال: {ولَكِن عذاب الله} ذي العز والجبروت {شديد} فهو الذي وجب أن يظن بهم السكر، لأنه أذهب خوفه حولهم، وطير هوله عقولهم. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{سكرى} في الحرفين على تأويل الجماعة: حمزة وعلي وخلف {ونقر} {ثم نخرجكم} بالنصب فيهما: المفضل {وربأت} بالهمزة حيث كان. يزيد {ليضن} بفتح الياء: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {خاسر الدنيا} اسم فاعل منصوبًا على الحالية. روح وزيد {ثم ليقطع} {ثم ليقضوا} بكسر اللام فيهما: ابو عمرو وسهل ويعقوب وابن عامر وورش وافق القواس في {ليقضوا} وزاد ابن عامر {وليوفوا} {وليطوفوا} وقرأ الأعشى {وليوفوا} بالتشديد، وقرأ أبو بكر وحماد {وليوفوا} بالتشديد وسكون اللام. الباقون بالتخفيف والسكون {هذان} بتشديد النون: ابن كثير.

.الوقوف:

{ربكم} ج على تقدير فإِن {عظيم} o {شديد} o {مريد} o لا لأن ما بعده صفة {السعير} o {لنبين لكم} ط لأن التقدير ونحن نقر ومن قرأ بالنصب لم يقف {اشدكم} ج لانقطاع النظم في اتحاد المعنى {شيئًا} ط {بهيج} o {قدير} o لا للعطف {فيها} لا {القبور} o {منير} o لا لأن ما بعده حال {عن سبيل الله} ط {الحريق} o {للعبيد} o {حرف} ج للشرط مع الفاء {به} لا للعطف مع الفاء مع الاستقلال {على وجهه} ق إلا لمن قرأ {خاسر الدنيا} ط {والآخرة} ط {المبين} o {من ينفعه} ط {البعيد} o {من ينفعه} ط {العشير} o {الأنهار} ط {ما يريد} o {ما يغيظ} o {بينات} ط {من يريد} o {يوم القيامة} ط {شهيد} o {من الناس} ط وقيل: {يوصل} ويوقف على {العذاب} ط {مكرم} ط {ما يشاء} o {في ربهم} ز لعطف الجملتين المتفقتين مع أن ما بعده ابتداء بيان حال الفريقين أحدهما {فالذين كفروا} والثاني {أن الله يدخل} {من نار} ج o {الحميم} ج o لأن ما بعده يصلح استئنافًا وحالًا أو وصفًا على أن اللام للجنس كما في قوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني. {والجلود}{حديد} o {الحريق} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)}.
اعلم أنه تعالى أمر الناس بالتقوى فدخل فيه أن يتقي كل محرم ويتقي ترك كل واجب وإنما دخل فيه الأمران، لأن المتقي إنما يتقي ما يخافه من عذاب الله تعالى فيدع لأجله المحرم ويفعل لأجله الواجب، ولا يكاد يدخل فيه النوافل لأن المكلف لا يخاف بتركها العذاب، وإنما يرجو بفعلها الثواب فإذا قال: {اتقوا رَبَّكُمُ} فالمراد اتقوا عذاب ربكم.
أما قوله: {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
الزلزلة شدة حركة الشيء، قال صاحب الكشاف ولا تخلو الساعة من أن تكون على تقدير الفاعلة لها كأنها هي التي تزلزل الأشياء على المجاز الحكمي فتكون الزلزلة مصدرًا مضافًا إلى فاعله أو على تقدير المفعول فيها على طريقة الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ الليل والنهار} [سبأ: 33] وهي الزلزلة المذكورة في قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].
المسألة الثانية:
اختلفوا في وقتها فعن علقمة والشعبي أن هذه الزلزلة تكون في الدنيا وهي التي يكون معها طلوع الشمس من مغربها.
وقيل هي التي تكون معها الساعة.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الصور «إنه قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعقة، ونفخة القيام لرب العالمين، وإن عند نفخة الفزع يسير الله الجبال وترجف الراجفة، تتبعها الرادفة، قلوب يومئذ واجفة، وتكون الأرض كالسفينة تضربها الأمواج أو كالقنديل المعلق ترجرجه الرياح» وقال مقاتل وابن زيد هذا في أول يوم من أيام الآخرة.
واعلم أنه ليس في اللفظ دلالة على شيء من هذه الأقسام، لأن هذه الإضافة تصح وإن كانت الزلزلة قبلها، وتكون من أماراتها وأشراطها، وتصح إذا كانت فيها ومعها، كقولنا آيات الساعة وأمارات الساعة.
المسألة الثالثة:
روى «أن هاتين الآيتين نزلتا بالليل والناس يسيرون فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمع الناس حوله فقرأهما عليهم، فلم ير باكيًّا أكثر من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السرج ولم يضربوا الخيام ولم يطبخوا القدور، والناس بين باك وجالس حزين متفكر.
فقال عليه السلام: أتدرون أي ذلك اليوم هو؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال ذلك يوم يقول الله لآدم عليه السلام قم فابعث بعث النار من ولدك، فيقول آدم وما بعث النار؟ يعني من كم كم؟ فيقول الله عز وجل من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فعند ذلك يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، فكبر ذلك على المؤمنين وبكوا، وقالوا فمن ينجو يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام أبشروا وسددوا وقاربوا فإن معكم خليقتين ما كانا في قوم إلا كثرتاه يأجوج وماجوج، ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا، ثم قال إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا وحمدوا الله، ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة، إن أهل الجنة مائة وعشرون صفًا ثمانون منها أمتي وما المسلمون في الكفار إلا كالشامة في جنب البعير أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، ثم قال ويدخل من أمتي سبعون ألفًا إلى الجنة بغير حساب، فقال عمر سبعون ألفًا؟ قال نعم ومع كل واحد سبعون ألفًا، فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال أنت منهم، فقام رجل من الأنصار فقال مثل قوله، فقال سبقك بها عكاشة. فخاض الناس في السبعين ألفًا فقال بعضهم هم الذين ولدوا على الإسلام، وقال بعضهم هم الذين آمنوا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالوا فقال: هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون»
.
المسألة الرابعة:
أنه سبحانه أمر الناس بالتقوى ثم علل وجوبها عليهم بذكر الساعة ووصفها بأهول صفة، والمعنى أن التقوى تقتضي دفع مثل هذا الضرر العظيم عن النفس، ودفع الضرر عن النفس معلوم الوجوب، فيلزم أن تكون التقوى واجبة.